بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
يا بني اركب معنا
صفحة 1 من اصل 1
يا بني اركب معنا
يا[size=24][size=21][size=12] بني اركب معنا
فهذه كلمات قليلات سابغات خفيفاتٌ ثقيلاتٌ، آخذاتٌ معطياتٌ، ألقت بها التجاربُ الغابرات،الباعث منها الحرقة على الولد في زمن تعذر فيه المربي وغاب المعين وانقطع السير وتباعد الرفيق وإن القلب ليتفطر ألما وحزنا حينما نرى أن أبناءنا تولى بهم غيرنا فترى ابن العالم في الغي راتع؛ فكيف بابن العامي الجاهل, ولعلك تتعجب ممن نجا كيف نجا .
في زمن عظم فيه العمى وازدادت وحشة الظلام، وكدورة الجهل، وصفاء المعرفة، واختيال الظلم، وتواضع العدل، وشحِّ المعروف، وسخاءِ المنكر، وتخبط الحليم وجنون الجاهل وترفع الوضيع ووضاعة الرفيع وقد أحسن القائل:
doPoetry()
فكتبت رسالة لولدي تأسيا بمن قبلي وجعلتها لكل ابن من أبناء المسلمين فخذها بقوة ولا تعدو عيناك عنها من والدك المشفق الحنون لتنير بها دربك وتعرف بها قدرك عند ربك.
اعلم - يا بني - وفقك الله للصواب أنه لم يتميز الآدمي بالعقل إلاّ ليعمل بمقتضاه ، فاستحضر عقلك ، وأعمل فكرك واخل بنفسك؛ تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف ! وأن عليك فرائض أنت مطالب بها، وأن الملكين يحصيان ألفاظك، وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله 0 ومقدار اللبث في الدنيا قليل والحبس في القبور طويل ، والعذاب على موافقة الهوى وبيل !
فأين لذة أمس ؟ أظنها رحلت وأبقت ندماً !
و أين شهوة النفس ؟ كم نكست رأساً وأزلت قدماً !!!
وما سعد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه. فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد. أين لذة هؤلاء وأين تعب أولئك ؟
والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة فانتبه واتعب لنفسك !
واعلم أن أداء الفرائض واجتناب المحارم لازم، فمتى تعدى الإنسان فالنار النار ! ثم اعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين، ثم الفضائل تتفاوت، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل ، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه فتلك الغاية المقصودة . والله المستعان .
أي بُني: وفقك الله ورعاك وسدَّدَ على درب الهدى خطاكَ.
وسلام عليك يوم ولدت، وفي كل يوم من أيام عمرك الماضي بالطاعة والتقوى، وهداك الله ويسرك لليسرى, ويوم تموت، ويوم تبعث يوم القيامة حياً.
أي بُني:
الذي بتُّ أُشْفِق عليه من نفسه، وأُريده أن يكون له غَلَبةً عليها في الشدة والرخاءِ، في المكره والمنشط، في السَّقم والعافية فلا يُعْثِره طمعٌ، ولا يستذلُّه أملٌ، ولا يستدرجه سرابٌ يبنى بالطاعة، ويسعَدُ بالمعروف، وتُحزنه المعصية ويُنْهزه الرجاءُ فيما عند الله ، ولا يضعف همته إلا الأملُ فيما عند الناس، وهو في منزلة بين المنزلتين، بين الرجاء في رحمة ربه يرجوها، وبين الخشية من عذاب الله يَحذَرُه.
وقفت على باب الله فأعزني، ونظرت في وجوه الناس مستبصراً فعلمت أن أحسَنَ الحُسْن أن لا ترى عِزَّتك إلا في الخضوع إليه، وإن لا ترى غناك إلا في الافتقار إليه، وأن لا ترى قوتك إلا بتفويض أمرك كلِّه إليه.
فخُذ عني ما علَّمَتْني السنون، ولا تبخل عن نفسك أن تُصْغي إلى كلماتي، فتصيب بها خيراً يدني إليك البعيد، ويسهِّل عليك العسر الشديد، وتجمع بها بين الطارف والتَّليد، والله سبحانه من قبلُ ومن بعدُ إليه الأمر كلُّه، وهو الفعَّال لما يريد.
انتبه يا بني - لنفسك واندم على ما مضى من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة ، واسق غصنك ، ما دامت فيه رطوبة ، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة ، وذهبت لذة الكسل فيها ، وفاتت مراتب الفضائل .
وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - يحبون جمع كل فضيلة ويبكون على فوت واحدة منها .
واعلم يا بني - أن الأيام تبسط ساعات ، والساعات تنبسط أنفاساً، وكل نفس خزانة ، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم .
ولست أملك لك من أمرك إلا دعواتٍ -أرجو الله أن تكون طيِّبات صالحات مقبولات- أتقرَّب بها إلى ربي، وأرجو بها إدناءَ رحمته، بأن أكون بشفاعة نبيِّه يوم لا تكون الشفاعة إلا بإذنه، فلتصغ إليها، ولتحفظ منها ما استطعت، فإنها -وربِّي- من خير ما كتبتُ وسطَّرت، مشت معي عقود حياتي، وأخذت عليَّ طرائق نفسي، وأظهرتني على سرِّي وعلانيتي، وأسلمتني إلى الرضا بما قضى فيَّ ربي، فلا زلت -أي بُني- في عافية الرضا الإلهي.
ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة ، وعلم أن اللبث في القبر طويل ، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة ، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له ، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلاً فإنه يمضي منها ثلاثين سنة في النوم ، ونحو حمس عشرة في الصبّا فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا أخلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً ...
فبماذا تشتري الحياة الأبدية ، وإنما الثمن هذه الساعات ؟
فَدُرْ مع القرآن حيث دار، واقْفُ أثر النبي المصطفى بهديه وسنته حيثما سار، واجْثُ بشكر النعمة التي أنعم الله بها عليك، على ركبتيك في الليل والنَّهار، وضَعْ جبهتك الصابرة على التراب الذي خلقك منه وسوَّاك، طلباً لرضاه، وسعياً في نوالِ حُبِّه، وأخذاً بكلِّ ما تعلم أنه يقرِّبُك إليه، فلا تبخَل عن ذاتك بما لو رآك الناس فيه، لعلموا أن الفضل الرَّاجيَ يُلْتمس عندك، ويُطلب في ردائك، ولا يُنال إلا من مثلك، فتفوز بذلك فوزاً عظيماً، وتعلِّمُهم من ذلك ما لم تكن تعلم أنَّ أيسرَ العمل الموافق لرضا الله وحبه، خيرٌ وأرفعُ قدراً، وأجلبُ لعافية الصلاح في الناس من مئات الكتب والرسائل النافعة التي تُكتَب وتُؤلَّف والأشرطة التي تسمع وتشنف، إذ العلم لا يكون إلا بالعمل، ولا خيْرَ في علمٍ لا يتبعه عمل يكون أحسن منه، فمن أراد أن يكون له حظٌّ من فضلٍ، فليصبر على كل صالح عمل ولو اشتدّ لذعه وحرارته، فإنَّ أحبَّ الأعمال أثقلها وأصدقُها وإن قل.
وحسنٌ منك -أي بُني- أن لا يكون منك إيثار ما أنت فيه -على ما هو فيه- على الماضي الذي انقضى وذهب بما هو فيه، وعلى ما هو فيه، فلعلَّ حاضرك يبيِّت لك بمستقبله سوءاً وأنت لا تدري، ولعلَّ ماضيك انقطع بخير وأنت لا تعلمه، ولكن؛ ارضَ بالحاضر، واحذر أن تعصي الله فيه، بجلٍّ ظاهر، أو بدقٍّ خفيٍّ، وأرضَ بالماضي، واندمْ على ما كان من معصيةٍ فيه، فالرضا يبعث في قلبك الخير، ويحضُّك على تولِّيه والحرص على معناه كلِّه، أينما كان وحيث وكيف كان، فلا تضيِّعْه بأن لا ترضى، فقَدَرُ الله يحكم كل خلقٍ وأمرٍ.
وحين أكتب إليك أي بُني، فإنما أُفضي إليك من ذاتي إلى ذاتي، فليس يصلح إيمان العبد المؤمن، إلا بما أودع الله قلبه -وهو يعلمه- من حبِّ الخير لإخوانه ما يحبُّه لنفسه، فهل لك أي بُني أينما كنت وفي أيَّة بقعةٍ من بقاع الأرض، أن تصغي لحديثي إليك، فكلُّ كلمةٍ فيه، وكلُّ جملة من جمله، وكلُّ معنى، كلُّها تظهر تلك الكلمة، أو تنبتُه هذه الجملة، وما هيَ كلُّها مجتمعةً ومنفردةً، إلا من حصاد العمر، وتجربةِ الأيام، وجني النظر المتأمِّل الواقف عند أمر الله ونهيه، فخذ بأحسنه لأحسنك، ودع ما يثقل عليك إن كان غير موثوق إلى دين الحق، يكن لك إن شاء الله ردءاً في غدوِّك وأصيلك، وصبحك وعَشِيِّك، وحين تظهر وتروح، فلا تعجل على نفسك بتركه والزهد فيه، واحمد المولى سبحانه على ضراءَ مسّتك، كما تحمده على سرَّاءَ أنعم الله بها عليك، واصبر على ما أصابك، وزيِّن قلبك بالتقوى، وأقبل على ربك بالطاعة والصدق، وإياك أن يخالطك الرضا بما صنعت، وكن على وجلٍ من تزيين النفس والشيطان أنك قد أحسنت، واجعل قبلة قلبك السماءَ، وأدم دعاءَه بقولك: «اللهم رضِّني بقضائك، وقنِّعني بعطائك، وأخلف لي في كلِّ غائبةٍ خيراً».
أي بني:
اجعل أعظم أمرك الصلاة فهي آخر معاقل الإسلام من تهاون فيها دهمه العدو فوقع في أسره إلى الموت.
فألزِم نفسَك يا بني الانتباهَ عند طلوع الفجر، ولا تتحدث بحديث الدنيا، فقد كان السلف الصالح رحمهم الله لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيءٍ من أمور الدنيا.
وقل عند انتباهك من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"، ثم قم إلى الطهارة واركع سنة الفجر واخرج إلى المسجد خاشعًا.وإياك أن تتهاون بالسنن فإن التهاون به سيقربك من ضياع الفريضة.
ثم الزم باقي الصلوات وكن أول داخل وآخر خارج ينشر لك ربنا من رحمته ويهيئ لك من أمرك مرفقا.
أي بُني:
لا تشرب الماء إلاشربة بعد شربة.
ولا تردَّ طعاماً أُكل منه.
ولا تلبس قميصاً لبسه غيرك.
ولا تساكن فخوراً، ولا خوَّاناً ولا أثيماً.
ولا تُصاحب جباناً، ولا بخيلاً، ولا جحوداً.
ولا تجالس من يرى لنفسه فضلاً عليك، ولا ممارياً غثَّ الحديث، ولا ثقيلا تستمسج كلامه، ولا مفاخراً بفعال غيره، ولا ودوداً بأهل المعاصي، ولا باراً بأخلاءِ السوءِ، ولا لاتَّاً بمغراف غيره، ولا عائباً على الناس ما لا يراه فيه وهو الأحقُّ به، ولا حائماً حول أعراض الناس بمكاره اللسان، ولا مُنَقِّباً عن عيوب الآخرين، وعيوبك لو وُزِّعت عليهم لكفتهم، ولا تتمنَّ نعمةً أصابها حاسرٌ.
أي بُني:
خير لك، وليكن أحبَّ إليك، أن تستدفئ بالمزن المثقلة بالماء في الشتاء، وأن تبترد بلهيب الشمس في الصيف، وأن تفترش الشوك اليابس القوي في ليل ونهار، وأن تكتحل بالرَّماد المحمَّى، وأن تأكل طحين الزجاج، وأن تشرب الماءَ الملح الأجاج، من أن تضع مختاراً غلَّ الذُّل في عنقك، أو أن تأكل سحتاً خبيثاً، أو أن تصيب حراماً يشينك عند الله في سر أو علانية، في الدنيا أو في الآخرة.
أي بُني:
إن من شرِّ الناس من يوافيك بزَّلتك فيعرض عنك، وبحسنتك فيقبل عليك، وخيرهم، من لا يرقب منك زلةً ولا حسنة، فتكون عنده الصاحب الودود، والشِّربَ المورود، والحبل المتين الممدود، وأصدقهم لك مودَّةً من لا يعدو عليك في سرٍّ، ويرد عنك في علانية، فيقول فيه الناس قولاً حسناً، ويذكرونه ذكراً جميلاً، وأضّلهم مودَّة عنك من يرى في نعمةٍ يصيبها منك مغنماً واجباً، وإذا مسّته منك ضراءُ خفيفة، جعلك غرضاً يُرمى، يثخنك بجراح سهامه.
أي بُني:
1- اعلم وقاك الله السوء أن من الناس من إن تحرص على إدنائه أعرض عنك، وإن حرصت على إقصائه أقبل عليك.
2- ومن الناس من إذا شام منك تواضعاً استكبر عليك. ومن إن رأى منك ما يظنُّه استكباراً كان كالعبد بين يديك.
3- ومن الناس من إذا أحسنت إليه حسبك راهباً منه، ومن إذا أسأت إليه ظنك راغباً فيه.
4- ومن الناس من لا يستقيم أمره إلا والعصا تقرع رأسه، ومنهم لا يستقيم أمره إلا بنظرة ودادٍ تخالط نفسه.
5- ومن الناس من إذا رأى منك ابتسامةً تمرَّد عليك، ومنهم من إذا أدمت العبوس في وجهه أدام الخضوع عند قدميك.
6- ومن الناس حاله في الإحسان كحال النساءِ، إن أحسنت إليه الدهر، ثم أسأت إليه مرة، قال: ما رأيت منك خيرا قط.
واعلم يا رعاك الله إن من خير الناس في كلِّ زمان من وفاك بإحسانك إليه إحساناً من وفاءِ الكلب، ومن ذاق عرف، ومن جرَّب علم.
واعلم يا رعاك الله أن أسوأ الناس من شاع ذكرهم في الناس مقروناً بما قيل فيهم: «تَمَسْكَنَ حتى تَمَكَّن» وأحسنهم من إذا أعجزه معروفك عن ردِّ ولو بعضاً منه، أحزنه ذلك فجاءَك معتذراً قائلاً: فضلك عليَّ لا ينسى في الدنيا إلا بالموت، أما عند الله فهو مذخور في سجلٍ لا يبلى ولا يحور.
أي بُني:
الولد إما عار شنار لا تحرقه النار، وإما فخر مكسوٌّ بياضاً يسعى عزيزاً كريماً في ظلام الليل ووضح النَّهار.
أي بُني:
خلِّ ما بينك وبين اللهب بالتقوى، وخلِّ ما بينك وبين العباد بالحذر، وإن عراكَ فيهم رجاءٌ، فلا تعجل إليهم بحسن الظنِّ واستبطن قلوبهم بالتوكُّل على الله ، أما ظاهرهم فخذ منه اليسير اليسير، وإياكَ إياكَ والإغراق في الإحسان إليهم بحسن الظنِّ فيهم، فلعلك تفجع يوماً في واحدٍ أكثرت من الإحسان إليه، فيزهدك في الإحسان إلى من يستحق منك الإحسان، حتى ولو كنت مقيماً عليه، فيذهب عنك الأجر، ولا ينالك من بعد إلا التعب والنصب، وقد وقعت في هذا ما تكدر به الفؤاد وزل به اللسان وما تأرق منه المضجع وحرمت منه النوم, فإن أردت أن تريح وتستريح، فتعلَّم أن تدع للآخرين كل ما يريدون منك، ويحملونك عليه من غير أن تنتظر منهم شكوراً أو جزاءً، وإن حدَّثوا أنفسهم أن يصنعوا معك معروفاً، فقل لهم معزِّياً من قبل أن يظهروه: عظَّم الله أجركم.
أي بُني:
حسنٌ أن يذكِّر العبد نفسه الموت، وأن يكثر من ذكره في نفسه، لكن خيرٌ من ذلك أن يتعلَّم العلم الذي إذا انتهى أجله، يكون قد انتهى إليه، وهو على حيطةٍ يعرف بها حقَّ الموت عليه، إذ الموت لحظة سريعة، لا يطول وقوف المرءِ عندها، وهو في حاجةٍ دائمةٍ ما دام حيَّاً أن يعرف حقَّ الحياة عليه، وأنها رحلةٌ يجب أن يدأب فيها على الاستعداد لتلك اللحظة السريعة الخاطفة، وهي التي يجتمع فيها أمر الإنسان كلُّه، فيرى منها مكانه، فأحسن لنفسك أي بُني، أن تكون عارفاً قدر نفسك، ثم أن تحيط علماً بما تحسن فتأتيه من قبل أن يفوتك، وما لا تحسن فتصرفه عنك بودع أسبابه واجتنابها.
أي بُني:
اعلم أن أهل القرآن هم أهل صُفَّة الرحمن، ينَعِّمهم الله فيها بالنظر إليهم غدوَّاً وعشيَّاً وحين يظهرون، فمن نازعهم فيها ليخرجهم منها، سلَّط الله عليه من لا يتَقيه فيه فيرديه، وما زال الناس في خيرٍ ما قدَّموا أهل القرآن، فلما أخَّروهم أخَّرهم الله ، وأحلَّهم دار الهوان، فهل لهم أن ينجوا أنفسهم بكرامة أهل القرآن؟! فأهل القرآن هم أهل كرامة الرحمن.
أي بُني:
اعلم: أن الناس لا ينتقصون بالموت، بل بانتقاصهم في دينهم، والانتقاص في الدين لا يكون حين يأتي عليه كلِّه، بل يكون حين يبدأُ، والعاقل من يدَّاركُ دينه من قبل أن يكون انتقاص، فالله قد حفظ لنا الدين، فلا يكون منَّأ حيف عليه على غير ما أراد الله له سبحانه له، وانتقاص الدين كالدَّاءِ، يبدأُ قليلاً، ثم يتكاثر بإهماله، حتى يغرق من يصيبه، فيرى المنكر معروفاً، وغير مستنكر ولا مستبشع، ثم لينظر الأول ما كان من أمره بصبره على الانتقاص، وتركه يغدو ويروح فيه، من ظنٍّ حسن في نفسه، أنَّه لا يؤْذي غيره بانتقاصه الدين وصبره عليه، وغاب عنه أنَّ الشر لا يستطير إلا من البداية.
واستمع لقول الله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }
وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
أي بُني:
اعلم أن الكبر لبوس السفهاءِ، يعرفون به فيجتنبهم العقلاءُ، والتواضع لبوس العقلاءِ، يعرفون به، فيصلح الله بهم السفهاء، وما رأيت متكبراً إلا والشر أقرب وأحبُّ إليه من الخير، وما رأيت متواضعاً إلا والخير أقرب وأحبُّ إليه من الشر، والكبر لا يليق إلا بالأراذل الجهلاء، والتواضع لا يليق إلا بالنبلاء الشرفاء، وما عرفت متواضعاً إلا والناس مجمعون على حبِّه ولو كان فاسقاً، وما عرفت متكبراً إلا والناس مجمعون على بغضه ولو كان فيما يبدو للناس تقيَّاً صالحاً، فكن من الكبر على حذر، ولا تعزف نفسك عن تواضع، فتصيبك ندامةٌ باغتةٌ جاسية.
أي بُني:
اعلم أنَّ الجعلان لا تعيش إلا في الحشوش وأماكن التخلي، ولا تكبر وتنمو إلا في القاذورات والنتن، وأن النَّحل لا تحط إلا على الأزهار والورود، فكن مع النحل في البحث عن رحيق الزهر، وإياك أن تُمِرَّ ذِهْنَك بالجعلان، والتمس لأهل الحق والصدق عذراً بإساءتهم إليك، وأما أهل السَّفاهة وظعائن الأهواءِ، فأحسن ما يكون لك الإعراض عنهم، ونبذهم من وراءِ ظهرك، ولا تمنن على نفسك بأنك صبرت على الأذى والقذى، فلرب يومٍ يمر بك ترى أنك في حاجة إلى من يصبر عليك، كحاجتك إلى الهواءِ إذ يضيق بك صدرك أو كحاجتك إلى الماءِ حين يشتد بك الظمأ، أو كحاجتك إلى رغيف الخبز حين يستبدُّ بك الجوع.
أي بُني:
إن كنت عاقلاً، فلا تجعل في نفسك فرقاً بين من عظمت جثَّته بأكلٍ وشربٍ وكبر مقطع، وبين بعوضةٍ عظُم جرمها بمص الدماءِ.
وليس في الناس أسوأ ممن يرى في صنيعك الخير معروفاً، غيرك أحق بأن يكافأ عليه، فإذا سألته: لماذا كان منك هذا، قال: لئلا يفوتني خير أرجوه منه، ونسي المسكين أنه قد لا يأتيه معروف إلا ممن أسلف له المعروف، وكن دائماً باسطاً يدك به، ولا تعجل على نفسك بالملالة، فإن قطار الموت دائب الحركة والسفر، فلعلك تصعد إليه في سفر لا تؤوب منه، واذكر نعمة الله عليك، إذ كنت فقيراً فأغناك الله ، وكنت ضعيفاً فقوَّاك الله ، وكنت محروماً فأعطاك الله ، فإياك إياك أي بُني والبخل عن نفسك، وتصدَّق بالمعروف على من هو أهلٌ، وعلى من ليس بأهل، فإن وافق معروفُك أهلَه فهو أهلُه، وإلا فأنت أهله وأهلُه وأهلُه.
أي بُني:
الكتاب والسنة سفينة النجاة من تمسك بهما نجا ومن حاد عنهما هلك, فلا تكن كمن قال لأبيه سآوي إلا جبل يعصمني من الماء! فلا عاصم من الكتاب والسنة إلا بالتمسك بهما واللحوق بأهلهما.... فهيا بني اركب معنا........ [/size][/size][/size]
فهذه كلمات قليلات سابغات خفيفاتٌ ثقيلاتٌ، آخذاتٌ معطياتٌ، ألقت بها التجاربُ الغابرات،الباعث منها الحرقة على الولد في زمن تعذر فيه المربي وغاب المعين وانقطع السير وتباعد الرفيق وإن القلب ليتفطر ألما وحزنا حينما نرى أن أبناءنا تولى بهم غيرنا فترى ابن العالم في الغي راتع؛ فكيف بابن العامي الجاهل, ولعلك تتعجب ممن نجا كيف نجا .
في زمن عظم فيه العمى وازدادت وحشة الظلام، وكدورة الجهل، وصفاء المعرفة، واختيال الظلم، وتواضع العدل، وشحِّ المعروف، وسخاءِ المنكر، وتخبط الحليم وجنون الجاهل وترفع الوضيع ووضاعة الرفيع وقد أحسن القائل:
doPoetry()
مَتَى تَصِلُ العِطُاشُ إِلى ارْتِـوَاءٍإِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِنْ الرَّكَايَا ؟! |
وَمَنْ يُثْنِـي الأَصَاغِـرَ عَـنْ مُـرَادٍوَقَدْ جَلَسَ الأَكَابِرُ فِي الزَّوَايَا ؟! |
وإِنَّ تَــرَفُّــعَ الـوُضُـعَــاءِ يَــوْمًــاعَلَى الرُّفَعَاءِ مِنْ إِحْـدَى البَلَايَـا |
إِذَا اسْتَوَتْ الأَسَافِـلُ والأَعَالِـيفَـقَـدْ طَـابَـتْ مُنَـادَمَـةُ الْمَـنَـايَـا |
فكتبت رسالة لولدي تأسيا بمن قبلي وجعلتها لكل ابن من أبناء المسلمين فخذها بقوة ولا تعدو عيناك عنها من والدك المشفق الحنون لتنير بها دربك وتعرف بها قدرك عند ربك.
اعلم - يا بني - وفقك الله للصواب أنه لم يتميز الآدمي بالعقل إلاّ ليعمل بمقتضاه ، فاستحضر عقلك ، وأعمل فكرك واخل بنفسك؛ تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف ! وأن عليك فرائض أنت مطالب بها، وأن الملكين يحصيان ألفاظك، وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله 0 ومقدار اللبث في الدنيا قليل والحبس في القبور طويل ، والعذاب على موافقة الهوى وبيل !
فأين لذة أمس ؟ أظنها رحلت وأبقت ندماً !
و أين شهوة النفس ؟ كم نكست رأساً وأزلت قدماً !!!
وما سعد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه. فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد. أين لذة هؤلاء وأين تعب أولئك ؟
والكسل عن الفضائل بئس الرفيق ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة فانتبه واتعب لنفسك !
واعلم أن أداء الفرائض واجتناب المحارم لازم، فمتى تعدى الإنسان فالنار النار ! ثم اعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين، ثم الفضائل تتفاوت، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل ، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه فتلك الغاية المقصودة . والله المستعان .
أي بُني: وفقك الله ورعاك وسدَّدَ على درب الهدى خطاكَ.
وسلام عليك يوم ولدت، وفي كل يوم من أيام عمرك الماضي بالطاعة والتقوى، وهداك الله ويسرك لليسرى, ويوم تموت، ويوم تبعث يوم القيامة حياً.
أي بُني:
الذي بتُّ أُشْفِق عليه من نفسه، وأُريده أن يكون له غَلَبةً عليها في الشدة والرخاءِ، في المكره والمنشط، في السَّقم والعافية فلا يُعْثِره طمعٌ، ولا يستذلُّه أملٌ، ولا يستدرجه سرابٌ يبنى بالطاعة، ويسعَدُ بالمعروف، وتُحزنه المعصية ويُنْهزه الرجاءُ فيما عند الله ، ولا يضعف همته إلا الأملُ فيما عند الناس، وهو في منزلة بين المنزلتين، بين الرجاء في رحمة ربه يرجوها، وبين الخشية من عذاب الله يَحذَرُه.
وقفت على باب الله فأعزني، ونظرت في وجوه الناس مستبصراً فعلمت أن أحسَنَ الحُسْن أن لا ترى عِزَّتك إلا في الخضوع إليه، وإن لا ترى غناك إلا في الافتقار إليه، وأن لا ترى قوتك إلا بتفويض أمرك كلِّه إليه.
فخُذ عني ما علَّمَتْني السنون، ولا تبخل عن نفسك أن تُصْغي إلى كلماتي، فتصيب بها خيراً يدني إليك البعيد، ويسهِّل عليك العسر الشديد، وتجمع بها بين الطارف والتَّليد، والله سبحانه من قبلُ ومن بعدُ إليه الأمر كلُّه، وهو الفعَّال لما يريد.
انتبه يا بني - لنفسك واندم على ما مضى من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة ، واسق غصنك ، ما دامت فيه رطوبة ، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة ، وذهبت لذة الكسل فيها ، وفاتت مراتب الفضائل .
وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - يحبون جمع كل فضيلة ويبكون على فوت واحدة منها .
واعلم يا بني - أن الأيام تبسط ساعات ، والساعات تنبسط أنفاساً، وكل نفس خزانة ، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم .
ولست أملك لك من أمرك إلا دعواتٍ -أرجو الله أن تكون طيِّبات صالحات مقبولات- أتقرَّب بها إلى ربي، وأرجو بها إدناءَ رحمته، بأن أكون بشفاعة نبيِّه يوم لا تكون الشفاعة إلا بإذنه، فلتصغ إليها، ولتحفظ منها ما استطعت، فإنها -وربِّي- من خير ما كتبتُ وسطَّرت، مشت معي عقود حياتي، وأخذت عليَّ طرائق نفسي، وأظهرتني على سرِّي وعلانيتي، وأسلمتني إلى الرضا بما قضى فيَّ ربي، فلا زلت -أي بُني- في عافية الرضا الإلهي.
ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة ، وعلم أن اللبث في القبر طويل ، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة ، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له ، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلاً فإنه يمضي منها ثلاثين سنة في النوم ، ونحو حمس عشرة في الصبّا فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا أخلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً ...
فبماذا تشتري الحياة الأبدية ، وإنما الثمن هذه الساعات ؟
فَدُرْ مع القرآن حيث دار، واقْفُ أثر النبي المصطفى بهديه وسنته حيثما سار، واجْثُ بشكر النعمة التي أنعم الله بها عليك، على ركبتيك في الليل والنَّهار، وضَعْ جبهتك الصابرة على التراب الذي خلقك منه وسوَّاك، طلباً لرضاه، وسعياً في نوالِ حُبِّه، وأخذاً بكلِّ ما تعلم أنه يقرِّبُك إليه، فلا تبخَل عن ذاتك بما لو رآك الناس فيه، لعلموا أن الفضل الرَّاجيَ يُلْتمس عندك، ويُطلب في ردائك، ولا يُنال إلا من مثلك، فتفوز بذلك فوزاً عظيماً، وتعلِّمُهم من ذلك ما لم تكن تعلم أنَّ أيسرَ العمل الموافق لرضا الله وحبه، خيرٌ وأرفعُ قدراً، وأجلبُ لعافية الصلاح في الناس من مئات الكتب والرسائل النافعة التي تُكتَب وتُؤلَّف والأشرطة التي تسمع وتشنف، إذ العلم لا يكون إلا بالعمل، ولا خيْرَ في علمٍ لا يتبعه عمل يكون أحسن منه، فمن أراد أن يكون له حظٌّ من فضلٍ، فليصبر على كل صالح عمل ولو اشتدّ لذعه وحرارته، فإنَّ أحبَّ الأعمال أثقلها وأصدقُها وإن قل.
وحسنٌ منك -أي بُني- أن لا يكون منك إيثار ما أنت فيه -على ما هو فيه- على الماضي الذي انقضى وذهب بما هو فيه، وعلى ما هو فيه، فلعلَّ حاضرك يبيِّت لك بمستقبله سوءاً وأنت لا تدري، ولعلَّ ماضيك انقطع بخير وأنت لا تعلمه، ولكن؛ ارضَ بالحاضر، واحذر أن تعصي الله فيه، بجلٍّ ظاهر، أو بدقٍّ خفيٍّ، وأرضَ بالماضي، واندمْ على ما كان من معصيةٍ فيه، فالرضا يبعث في قلبك الخير، ويحضُّك على تولِّيه والحرص على معناه كلِّه، أينما كان وحيث وكيف كان، فلا تضيِّعْه بأن لا ترضى، فقَدَرُ الله يحكم كل خلقٍ وأمرٍ.
وحين أكتب إليك أي بُني، فإنما أُفضي إليك من ذاتي إلى ذاتي، فليس يصلح إيمان العبد المؤمن، إلا بما أودع الله قلبه -وهو يعلمه- من حبِّ الخير لإخوانه ما يحبُّه لنفسه، فهل لك أي بُني أينما كنت وفي أيَّة بقعةٍ من بقاع الأرض، أن تصغي لحديثي إليك، فكلُّ كلمةٍ فيه، وكلُّ جملة من جمله، وكلُّ معنى، كلُّها تظهر تلك الكلمة، أو تنبتُه هذه الجملة، وما هيَ كلُّها مجتمعةً ومنفردةً، إلا من حصاد العمر، وتجربةِ الأيام، وجني النظر المتأمِّل الواقف عند أمر الله ونهيه، فخذ بأحسنه لأحسنك، ودع ما يثقل عليك إن كان غير موثوق إلى دين الحق، يكن لك إن شاء الله ردءاً في غدوِّك وأصيلك، وصبحك وعَشِيِّك، وحين تظهر وتروح، فلا تعجل على نفسك بتركه والزهد فيه، واحمد المولى سبحانه على ضراءَ مسّتك، كما تحمده على سرَّاءَ أنعم الله بها عليك، واصبر على ما أصابك، وزيِّن قلبك بالتقوى، وأقبل على ربك بالطاعة والصدق، وإياك أن يخالطك الرضا بما صنعت، وكن على وجلٍ من تزيين النفس والشيطان أنك قد أحسنت، واجعل قبلة قلبك السماءَ، وأدم دعاءَه بقولك: «اللهم رضِّني بقضائك، وقنِّعني بعطائك، وأخلف لي في كلِّ غائبةٍ خيراً».
أي بني:
اجعل أعظم أمرك الصلاة فهي آخر معاقل الإسلام من تهاون فيها دهمه العدو فوقع في أسره إلى الموت.
فألزِم نفسَك يا بني الانتباهَ عند طلوع الفجر، ولا تتحدث بحديث الدنيا، فقد كان السلف الصالح رحمهم الله لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيءٍ من أمور الدنيا.
وقل عند انتباهك من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"، ثم قم إلى الطهارة واركع سنة الفجر واخرج إلى المسجد خاشعًا.وإياك أن تتهاون بالسنن فإن التهاون به سيقربك من ضياع الفريضة.
ثم الزم باقي الصلوات وكن أول داخل وآخر خارج ينشر لك ربنا من رحمته ويهيئ لك من أمرك مرفقا.
أي بُني:
لا تشرب الماء إلاشربة بعد شربة.
ولا تردَّ طعاماً أُكل منه.
ولا تلبس قميصاً لبسه غيرك.
ولا تساكن فخوراً، ولا خوَّاناً ولا أثيماً.
ولا تُصاحب جباناً، ولا بخيلاً، ولا جحوداً.
ولا تجالس من يرى لنفسه فضلاً عليك، ولا ممارياً غثَّ الحديث، ولا ثقيلا تستمسج كلامه، ولا مفاخراً بفعال غيره، ولا ودوداً بأهل المعاصي، ولا باراً بأخلاءِ السوءِ، ولا لاتَّاً بمغراف غيره، ولا عائباً على الناس ما لا يراه فيه وهو الأحقُّ به، ولا حائماً حول أعراض الناس بمكاره اللسان، ولا مُنَقِّباً عن عيوب الآخرين، وعيوبك لو وُزِّعت عليهم لكفتهم، ولا تتمنَّ نعمةً أصابها حاسرٌ.
أي بُني:
خير لك، وليكن أحبَّ إليك، أن تستدفئ بالمزن المثقلة بالماء في الشتاء، وأن تبترد بلهيب الشمس في الصيف، وأن تفترش الشوك اليابس القوي في ليل ونهار، وأن تكتحل بالرَّماد المحمَّى، وأن تأكل طحين الزجاج، وأن تشرب الماءَ الملح الأجاج، من أن تضع مختاراً غلَّ الذُّل في عنقك، أو أن تأكل سحتاً خبيثاً، أو أن تصيب حراماً يشينك عند الله في سر أو علانية، في الدنيا أو في الآخرة.
أي بُني:
إن من شرِّ الناس من يوافيك بزَّلتك فيعرض عنك، وبحسنتك فيقبل عليك، وخيرهم، من لا يرقب منك زلةً ولا حسنة، فتكون عنده الصاحب الودود، والشِّربَ المورود، والحبل المتين الممدود، وأصدقهم لك مودَّةً من لا يعدو عليك في سرٍّ، ويرد عنك في علانية، فيقول فيه الناس قولاً حسناً، ويذكرونه ذكراً جميلاً، وأضّلهم مودَّة عنك من يرى في نعمةٍ يصيبها منك مغنماً واجباً، وإذا مسّته منك ضراءُ خفيفة، جعلك غرضاً يُرمى، يثخنك بجراح سهامه.
أي بُني:
1- اعلم وقاك الله السوء أن من الناس من إن تحرص على إدنائه أعرض عنك، وإن حرصت على إقصائه أقبل عليك.
2- ومن الناس من إذا شام منك تواضعاً استكبر عليك. ومن إن رأى منك ما يظنُّه استكباراً كان كالعبد بين يديك.
3- ومن الناس من إذا أحسنت إليه حسبك راهباً منه، ومن إذا أسأت إليه ظنك راغباً فيه.
4- ومن الناس من لا يستقيم أمره إلا والعصا تقرع رأسه، ومنهم لا يستقيم أمره إلا بنظرة ودادٍ تخالط نفسه.
5- ومن الناس من إذا رأى منك ابتسامةً تمرَّد عليك، ومنهم من إذا أدمت العبوس في وجهه أدام الخضوع عند قدميك.
6- ومن الناس حاله في الإحسان كحال النساءِ، إن أحسنت إليه الدهر، ثم أسأت إليه مرة، قال: ما رأيت منك خيرا قط.
واعلم يا رعاك الله إن من خير الناس في كلِّ زمان من وفاك بإحسانك إليه إحساناً من وفاءِ الكلب، ومن ذاق عرف، ومن جرَّب علم.
واعلم يا رعاك الله أن أسوأ الناس من شاع ذكرهم في الناس مقروناً بما قيل فيهم: «تَمَسْكَنَ حتى تَمَكَّن» وأحسنهم من إذا أعجزه معروفك عن ردِّ ولو بعضاً منه، أحزنه ذلك فجاءَك معتذراً قائلاً: فضلك عليَّ لا ينسى في الدنيا إلا بالموت، أما عند الله فهو مذخور في سجلٍ لا يبلى ولا يحور.
أي بُني:
الولد إما عار شنار لا تحرقه النار، وإما فخر مكسوٌّ بياضاً يسعى عزيزاً كريماً في ظلام الليل ووضح النَّهار.
أي بُني:
خلِّ ما بينك وبين اللهب بالتقوى، وخلِّ ما بينك وبين العباد بالحذر، وإن عراكَ فيهم رجاءٌ، فلا تعجل إليهم بحسن الظنِّ واستبطن قلوبهم بالتوكُّل على الله ، أما ظاهرهم فخذ منه اليسير اليسير، وإياكَ إياكَ والإغراق في الإحسان إليهم بحسن الظنِّ فيهم، فلعلك تفجع يوماً في واحدٍ أكثرت من الإحسان إليه، فيزهدك في الإحسان إلى من يستحق منك الإحسان، حتى ولو كنت مقيماً عليه، فيذهب عنك الأجر، ولا ينالك من بعد إلا التعب والنصب، وقد وقعت في هذا ما تكدر به الفؤاد وزل به اللسان وما تأرق منه المضجع وحرمت منه النوم, فإن أردت أن تريح وتستريح، فتعلَّم أن تدع للآخرين كل ما يريدون منك، ويحملونك عليه من غير أن تنتظر منهم شكوراً أو جزاءً، وإن حدَّثوا أنفسهم أن يصنعوا معك معروفاً، فقل لهم معزِّياً من قبل أن يظهروه: عظَّم الله أجركم.
أي بُني:
حسنٌ أن يذكِّر العبد نفسه الموت، وأن يكثر من ذكره في نفسه، لكن خيرٌ من ذلك أن يتعلَّم العلم الذي إذا انتهى أجله، يكون قد انتهى إليه، وهو على حيطةٍ يعرف بها حقَّ الموت عليه، إذ الموت لحظة سريعة، لا يطول وقوف المرءِ عندها، وهو في حاجةٍ دائمةٍ ما دام حيَّاً أن يعرف حقَّ الحياة عليه، وأنها رحلةٌ يجب أن يدأب فيها على الاستعداد لتلك اللحظة السريعة الخاطفة، وهي التي يجتمع فيها أمر الإنسان كلُّه، فيرى منها مكانه، فأحسن لنفسك أي بُني، أن تكون عارفاً قدر نفسك، ثم أن تحيط علماً بما تحسن فتأتيه من قبل أن يفوتك، وما لا تحسن فتصرفه عنك بودع أسبابه واجتنابها.
أي بُني:
اعلم أن أهل القرآن هم أهل صُفَّة الرحمن، ينَعِّمهم الله فيها بالنظر إليهم غدوَّاً وعشيَّاً وحين يظهرون، فمن نازعهم فيها ليخرجهم منها، سلَّط الله عليه من لا يتَقيه فيه فيرديه، وما زال الناس في خيرٍ ما قدَّموا أهل القرآن، فلما أخَّروهم أخَّرهم الله ، وأحلَّهم دار الهوان، فهل لهم أن ينجوا أنفسهم بكرامة أهل القرآن؟! فأهل القرآن هم أهل كرامة الرحمن.
أي بُني:
اعلم: أن الناس لا ينتقصون بالموت، بل بانتقاصهم في دينهم، والانتقاص في الدين لا يكون حين يأتي عليه كلِّه، بل يكون حين يبدأُ، والعاقل من يدَّاركُ دينه من قبل أن يكون انتقاص، فالله قد حفظ لنا الدين، فلا يكون منَّأ حيف عليه على غير ما أراد الله له سبحانه له، وانتقاص الدين كالدَّاءِ، يبدأُ قليلاً، ثم يتكاثر بإهماله، حتى يغرق من يصيبه، فيرى المنكر معروفاً، وغير مستنكر ولا مستبشع، ثم لينظر الأول ما كان من أمره بصبره على الانتقاص، وتركه يغدو ويروح فيه، من ظنٍّ حسن في نفسه، أنَّه لا يؤْذي غيره بانتقاصه الدين وصبره عليه، وغاب عنه أنَّ الشر لا يستطير إلا من البداية.
واستمع لقول الله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }
وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
أي بُني:
اعلم أن الكبر لبوس السفهاءِ، يعرفون به فيجتنبهم العقلاءُ، والتواضع لبوس العقلاءِ، يعرفون به، فيصلح الله بهم السفهاء، وما رأيت متكبراً إلا والشر أقرب وأحبُّ إليه من الخير، وما رأيت متواضعاً إلا والخير أقرب وأحبُّ إليه من الشر، والكبر لا يليق إلا بالأراذل الجهلاء، والتواضع لا يليق إلا بالنبلاء الشرفاء، وما عرفت متواضعاً إلا والناس مجمعون على حبِّه ولو كان فاسقاً، وما عرفت متكبراً إلا والناس مجمعون على بغضه ولو كان فيما يبدو للناس تقيَّاً صالحاً، فكن من الكبر على حذر، ولا تعزف نفسك عن تواضع، فتصيبك ندامةٌ باغتةٌ جاسية.
أي بُني:
اعلم أنَّ الجعلان لا تعيش إلا في الحشوش وأماكن التخلي، ولا تكبر وتنمو إلا في القاذورات والنتن، وأن النَّحل لا تحط إلا على الأزهار والورود، فكن مع النحل في البحث عن رحيق الزهر، وإياك أن تُمِرَّ ذِهْنَك بالجعلان، والتمس لأهل الحق والصدق عذراً بإساءتهم إليك، وأما أهل السَّفاهة وظعائن الأهواءِ، فأحسن ما يكون لك الإعراض عنهم، ونبذهم من وراءِ ظهرك، ولا تمنن على نفسك بأنك صبرت على الأذى والقذى، فلرب يومٍ يمر بك ترى أنك في حاجة إلى من يصبر عليك، كحاجتك إلى الهواءِ إذ يضيق بك صدرك أو كحاجتك إلى الماءِ حين يشتد بك الظمأ، أو كحاجتك إلى رغيف الخبز حين يستبدُّ بك الجوع.
أي بُني:
إن كنت عاقلاً، فلا تجعل في نفسك فرقاً بين من عظمت جثَّته بأكلٍ وشربٍ وكبر مقطع، وبين بعوضةٍ عظُم جرمها بمص الدماءِ.
وليس في الناس أسوأ ممن يرى في صنيعك الخير معروفاً، غيرك أحق بأن يكافأ عليه، فإذا سألته: لماذا كان منك هذا، قال: لئلا يفوتني خير أرجوه منه، ونسي المسكين أنه قد لا يأتيه معروف إلا ممن أسلف له المعروف، وكن دائماً باسطاً يدك به، ولا تعجل على نفسك بالملالة، فإن قطار الموت دائب الحركة والسفر، فلعلك تصعد إليه في سفر لا تؤوب منه، واذكر نعمة الله عليك، إذ كنت فقيراً فأغناك الله ، وكنت ضعيفاً فقوَّاك الله ، وكنت محروماً فأعطاك الله ، فإياك إياك أي بُني والبخل عن نفسك، وتصدَّق بالمعروف على من هو أهلٌ، وعلى من ليس بأهل، فإن وافق معروفُك أهلَه فهو أهلُه، وإلا فأنت أهله وأهلُه وأهلُه.
أي بُني:
الكتاب والسنة سفينة النجاة من تمسك بهما نجا ومن حاد عنهما هلك, فلا تكن كمن قال لأبيه سآوي إلا جبل يعصمني من الماء! فلا عاصم من الكتاب والسنة إلا بالتمسك بهما واللحوق بأهلهما.... فهيا بني اركب معنا........ [/size][/size][/size]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يونيو 06, 2016 6:46 am من طرف irgui82
» أسطوانة برنامج جوامع الكلم الشيخ محمد حسان - مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الإثنين يونيو 06, 2016 3:51 am من طرف irgui82
» تجمـــــــ الأسطوانات ـــــــــيع مــــ صنعــــ ورفعـــي ـــن
الخميس مايو 26, 2016 7:13 am من طرف irgui82
» أسطوانة للشيخ الصغير القارئ احمد المصباحي رواية و قراءة حفص عن عاصم - مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الخميس مايو 26, 2016 6:50 am من طرف irgui82
» أسطوانة القرأن الكريم للشيخ ابراهيم الاخضر - مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الأحد مايو 01, 2016 6:46 am من طرف irgui82
» أسطوانة سلسلة دروس في الفتن وأنواعها- مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الثلاثاء يونيو 30, 2015 2:58 am من طرف irgui82
» أسطوانة خير القرون لشيخ محمد العريفي- مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الثلاثاء يونيو 30, 2015 2:54 am من طرف irgui82
» القران الكريم - مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الإثنين يونيو 15, 2015 10:46 am من طرف irgui82
» أسطوانة إداعة القران الكريم - مــــ صنعـــ ورفعـــــي
الخميس يونيو 11, 2015 5:42 am من طرف irgui82